في خطوة لافتة تحمل أبعادًا سياسية ومؤسساتية، عقد وزير الداخلية عبد الوافي لفتيت، صباح اليوم السبت بالرباط، اجتماعين متتاليين مع قادة مختلف الأحزاب السياسية الممثلة وغير الممثلة في البرلمان، خصصا لبدء المشاورات حول التحضير للانتخابات التشريعية المقررة سنة 2026. اللقاءان، اللذان جرت أطوارهما في أجواء وُصفت بالهادئة والمسؤولة، يندرجان ضمن مسعى الحكومة لتأمين انطلاق مبكر لورشة الإعداد القانوني والتنظيمي لهذا الاستحقاق الانتخابي، بما يتوافق مع التوجيهات الملكية الداعية إلى مراجعة المنظومة الانتخابية قبل متم السنة الجارية.
مصادر حضرت الاجتماعات أفادت بأن الوزير لفتيت حرص على تأكيد التزام الدولة بتنظيم الانتخابات التشريعية المقبلة في موعدها الدستوري، مشدداً على أن الوزارة منفتحة على جميع المقترحات التي ستتقدم بها الأحزاب بشأن التعديلات الممكن إدخالها على القوانين الانتخابية، بما يعزز الشفافية وتكافؤ الفرص، ويعكس الإرادة الوطنية في ترسيخ المسار الديمقراطي. وقد تم الاتفاق بين الأطراف الحاضرة على منح الأحزاب مهلة زمنية محددة تنتهي مع نهاية شهر غشت الجاري لتقديم مذكراتها الكتابية حول الإطار القانوني للانتخابات، على أن تواصل الوزارة الاشتغال على الصيغ التشريعية الملائمة قبل عرضها على البرلمان خلال الدورة الخريفية المقبلة.
وبينما ترى بعض التحليلات أن اللقاء يؤشر على بداية تعبئة سياسية واسعة استعداداً لاستحقاقات قد تحمل معها ملامح تغيير في الخارطة التمثيلية، لم تُسجّل خلال الاجتماعين أي بوادر توتر أو تباين حاد في الرؤى، بل بدا أن هنالك تقاطعاً عاماً حول ضرورة تكريس التعددية وتجاوز أعطاب التجارب الانتخابية السابقة، خصوصاً في ما يتعلق بآليات التمثيل، وتعزيز الحضور النسائي والشبابي، وكذا سبل الحد من العزوف.
ويرى متابعون أن فتح هذا الورش في توقيت مبكر يعكس وعياً رسمياً بضرورة تحصين المواعيد السياسية من أية تجاذبات ظرفية، وهو ما يمنح للمؤسسات مزيداً من الاستقرار، ويعطي للفاعلين السياسيين متسعاً كافياً لإعداد العدة الفكرية والتنظيمية لخوض السباق نحو قبة البرلمان في سياق إقليمي ودولي معقد، يفرض تحديات جديدة على صعيد شرعية الوساطة الحزبية ومدى ارتباطها بالمطالب الاجتماعية المتزايدة.
وفي انتظار بلورة الصيغة النهائية للتعديلات المرتقبة، يبقى الرهان الأبرز هو مدى قدرة الفاعلين السياسيين على الانخراط الجاد في الدينامية المؤسساتية الجديدة، دون الارتهان لحسابات ظرفية أو مناورات انتخابوية ضيقة، خاصة وأن المرحلة تقتضي إعادة بناء الثقة بين المواطن وصناديق الاقتراع، وهو رهان لا يتحقق بالشعارات، بل بإرادة سياسية حقيقية تضع في مقدمة أولوياتها تأهيل المشهد الحزبي وتقوية الجبهة الداخلية عبر بوابة المشاركة الشعبية الواعية والمسؤولة.