المحكمة الدستورية تلغي مقتضيات في قانون المسطرة المدنية وتؤكد على مبدأ الأمن القضائي

المحكمة الدستورية تلغي مقتضيات في قانون المسطرة المدنية وتؤكد على مبدأ الأمن القضائي

أصدرت المحكمة الدستورية قراراً هاماً يقضي بعدم دستورية بعض المواد في مشروع القانون رقم 02.23 المتعلق بالمسطرة المدنية، الذي تم التصديق عليه في يونيو الماضي خلال القراءة الثانية، وخصوصاً المادة 17 التي تمنح النيابة العامة حق الطعن في الأحكام القضائية النهائية.

وأكدت المحكمة، في قرارها الذي اطلعت عليه هسبريس، أن هذه المادة تخلّ بمبدأ "الأمن القضائي"، الذي يكفل للمحكوم لهم الحق في التمسك بحجية الأحكام النهائية التي صدرت في حقهم، وأن الطعن في هذه الأحكام من قبل النيابة العامة دون تحديد حالات واضحة أو ضوابط موضوعية يتعارض مع أحكام الدستور.

واستند القضاء الدستوري في حكمه إلى نصوص دستورية أساسية، منها الفصل السادس الذي ينص على أن "القانون هو أسمى تعبير عن إرادة الأمة"، والفصل 117 الذي يحمي "حقوق الأشخاص والجماعات وأمنهم القضائي"، إضافة إلى الفصل 126 الذي يؤكد على "الملزمة النهائية للأحكام القضائية الصادرة عن القضاء".

وأكدت المحكمة أن منح النيابة العامة سلطة الطعن في الأحكام النهائية بدون ضوابط محددة يفتح الباب أمام "تقدير غير مألوف وغير مقيد"، وهو ما يخالف مبدأ الأمن القضائي ويعرض حقوق الأطراف للخطر. كما أشارت إلى أن القضاء وحده، بصفته سلطة مستقلة، هو المخول بإعلان بطلان الأحكام القضائية التي حازت قوة الشيء المقضي به.

بالإضافة إلى ذلك، أبطلت المحكمة فقرات من المادة 87 المتعلقة بإجراءات التبليغ، التي سمحت للمكلف بالتبليغ بتسليم الاستدعاءات لأشخاص دون تحقق جازم من هويتهم، معتمدة على "الشك والتخمين"، الأمر الذي اعتبرته مخالفة لضمانات حقوق الدفاع وأمن القانون.

وأوضحت المحكمة أن هذه الفقرات تخل بثقة الأفراد في النظام القضائي، وتتسبب في إرباك تنظيم التبليغ، ما يضع عبئاً على المكلف بالتبليغ من دون تحديد واضح لقواعد العمل، الأمر الذي يشكل خرقاً للمادة 120 من الدستور المتعلقة بضمانات حقوق الدفاع.

في رد فعلها على القرار، رحبت وزارة العدل بقرار المحكمة الدستورية، واعتبرته محطة دستورية مهمة في تعزيز البناء الديمقراطي وضمان استقلالية القضاء وحماية الحقوق والحريات. وأكدت الوزارة أن المسار التشريعي لقانون المسطرة المدنية اتسم بمقاربة تشاركية واسعة، وحرصت على الاستماع لمختلف الفاعلين القضائيين والحقوقيين بهدف تطوير نصوص قانونية تحترم مبادئ الدستور.

وقال وزير العدل عبد اللطيف وهبي في تصريح له: "نحن لا نخشى الرقابة الدستورية، بل نشجعها ونعتبرها ضمانة حقيقية لدولة القانون. هذا القرار يفتح الباب أمام نقاش قانوني رفيع المستوى ويعزز مشروعنا الإصلاحي داخل المؤسسات".

ويشكل هذا القرار خطوة مهمة تؤكد على ضرورة توازن الصلاحيات بين مختلف المؤسسات، وحماية الحقوق الأساسية للأفراد في النظام القضائي المغربي، مع الحفاظ على مبدأ استقلالية القضاء وسيادة القانون.

إرسال تعليق

أحدث أقدم